[:::: A L I ::::]

اعداد: علي محمد الهاشم - القبس
،، لا تزال حادثتا سقوط طائرتي الإيرباص التابعة للخطوط الجوية الفرنسية والبوينغ التابعة للخطوط الجوية الأثيوبية الجويتين من الشدة والفظاعة والغموض عالقتين في الذاكرة للجميع، ولا تزال التحقيقات جارية وعمليات البحث بالنسبة إلى الفرنسية مستمرة للوصول إلى الأسباب المقنعة التي أدت إلى سقوط تلك الطائرتين اللتين لم يتجاوز عمراهما التشغيليان مدة خمسة أعوام. لماذا هوت الإيرباص 330 في قاع المحيط؟ وما الأسباب وراء سقوط البوينغ الأثيوبية فوق مياه البحر الأبيض المتوسط بالقرب من الشواطئ اللبنانية؟ أسئلة كثيرة لكن الاحتمالات الواردة والمعطيات أكثر إثارة، وخصوصا تلك التي تتعلق بأداء الطائرتين. في موضوع هذا الأسبوع نستعرض معلومات دقيقة عما تعرضت له تلك الطائرتين من عوامل واحتمالات.،،
قبل الخوض في تفاصيل الاحتمالات وآخر المعلومات الواردة عن تلكما الحادثتين الجويتين المريعتين، يجب أن نشير إلى أن كلا الطرازين إيرباص 330 وبوينغ 737 تتمتعان بمبيعات وصيت كبيرين في سوق الطائرات العالمي، وخصوصا أن الإيرباص أحدث وأكبر وأعقد من الناحية التكنولوجية، لكن البوينغ أوسع انتشارا ومبيعا في تاريخ الطائرات، والجدول المرفق يوضح موقع الطائرتين من ناحية الانتشار في العالم.

كارثة في عرض المحيط
فجع العالم بأسره حينما اختفت طائرة إيرباص 330 تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية (إيرفرانس) في 31 من مايو من العام الماضي في ظروف غامضة وغريبة، ليتم بعدها بأسابيع انتشال بعض من الحطام المتناثر في عرض المحيط الأطلسي. ولتحوم بعدها الشبهات حول أنبوب قياس السرعة الهوائية في الطائرة (أنبوب بيتوت). لكن هل يمكن أن تقود هذه الأنظمة لمثل هذا الحادث المريع؟.. كي نجيب عن هذا السؤال ينبغي أن نشير إلى الأسباب التي أدت إلى تعطل أو خلل تلك الأنظمة الحيوية في الطائرات. لقد بينت التحليلات الأخيرة أن تكون الجليد على أنبوب بيتوت يعتبر أمرا خطيرا جدا، خصوصا في الارتفاعات الشاهقة بمصاحبة عواصف أو غيوم رعدية كثيفة كالسحب الركامية، مما يجعل تلك الأنظمة تعطي قراءات خاطئة للسرعة الهوائية الحقيقية للطائرة، كأن تبين للطيارين أن الطائرة تطير بسرعة منخفضة، وهي في الحقيقة تطير بسرعة عالية، الأمر الذي قد يؤدي بها إلى الطيران فوق قدرة تحمل بدنها، وبالتالي قد تتفكك من شدة التسارع، وتتناثر أشلاء. والعكس صحيح حينما يظن الطيارون طبقا لمعطيات أنبوب بيتوت أن الطائرة تطير بسرعة عالية، وهي في الحقيقة تطير بسرعة منخفضة، فيقوم بخفض السرعة، فتقع الطائرة في حالة انهيار، وتفقد الرفع على أجنحتها فتهوي في سقوط حر كقطعة حجر، ويرجح أن الطائرة الفرنسية قد تعرضت لمثل هذه الحالة، أو كلتا الحالتين تباعا، ففقدت السيطرة على التحليق وهوت لترتطم بسطح الماء بسرعة كبيرة وتسارع بلغ 36 مرة لعجلة الجاذبية الأرضية (36 g )، وهذا ما يفسر تمزق جثث الركاب والكسور الشديدة لعظامهم.

توقف المحرك
إلى جانب تعطل أنظمة قياس السرعة (بيتوت) يرجح الخبراء أن طائرة إيرباص 330 الفرنسية قد تعرضت لتوقف كلا محركيها نتيجة تكون الجليد وتكون كريستالات الجليد في الوقود نتيجة تعطل أنظمة منع تكون الجليد وتعطل الكمبيوترات الخاصة بأنظمة إدارة الطائرة والسيطرة على الطيران، وذلك بعد تعطل أنظمة قياس السرعة تباعا، فأربك هذا الوضع غير العادي الطيارين، وأفقدهما القدرة على التعاطي مع تلك المعضلات في وقت قصير جدا (لا يتجاوز الدقائق المعدودة). وكل هذا كان السبب في دخول الطائرة في ما يعرف بمنطقة الالتقاء المداري ما بين مداري السرطان والجدي (ICZ)، وهي منطقة تعرف بشراسة وكثافة تكون العواصف الرعدية والسحب الركامية على هيئة أبراج عالية في السماء، ولكن ربما يكون لتعطل رادار الطقس سبب أساسي للولوج بتلك المنطقة الخطرة، فلا يعقل أن يتجه طيار مخضرم وذو خبرة كطياري الإيرفرانس بمحض إرادته وهو يعلم جليا مدى خطورة تلك المنطقة. كما أن كون الرحلة في الليل اضاف مزيدا من الحظ العاثر، حيث تصعب الرؤية في الظلام الحالك دون العلم بأن الرادار معطل، وهو ما خلص إليه الخبراء اخيرا.

مشهد الطائرة الأثيوبية

أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية بالولايات المتحدة الأميركية أخيراً أمرا مباشرا لبوينغ تلزمها فيه بإجراء فحص دقيق لجهاز التحكم في دعامة الدفة الرأسية على طائرات الجيل الحديث للبوينغ 737 بما يقدر بستمائة طائرة من 6 طرز مختلفة أبرزها النموذج (-800) نفس النوع الذي تحطم في البحر قبالة الشواطئ اللبنانية مطلع هذا العام والذي أودى بحياة جميع من في الطائرة من ركاب وأفراد طاقم. وأبرز هذا الأمر الصادر من إدارة الطيران الفيدرالي أن لطائرات البوينغ 737 من الجيل الحديث عيوبا صناعية في منطقة الذيل الرأسي أدت لعدة حوادث جوية راح ضحيتها المئات من الأبرياء، خصوصا في السنوات الخمس الماضية، حيث تحطمت 9 طائرات من ذلك النوع، وكانت نتائج التحقيق تتفق في معظمها على وجود خلل في أجهزة الذيل الرأسية للطائرة.

دروس وعبر
بعد هذا السرد المتواضع لتلك الحادثتين الأليمتين؛ لا بد من توضيح أن هناك أخطاء تصنيعية قد تصاحب أي آلة وأن ذلك أمر وارد، لكن لا بد من التعاطي مع ذلك الخلل أو العيب التصنيعي بدلا من الإصرار على التظاهر بعدم وجوده، وليس بالضرورة أن هذا يعني فشل النموذج أو عدم جدواه بقدر ما يجب على المصنع أن يكون جادا في التعاطي مع مثل هذه العيوب كي يمنع بالتالي إزهاق أرواح بريئة قد تدفع حياتها ثمنا لتعنت لا مبرر له. وإذا كان العالم قد أيقن بهيمنة مصنّعين اثنين لطائرات الركاب لا ثالث لهما، وهما بوينغ وإيرباص، فإن ذلك يجب أن يقود إلى تحسن في النوعية والجودة لا أن يكون التنافس مصحوبا بحرب عقيمة ونزاعات على حساب التنافس الشريف والمفيد. لقد آن الأوان لإيرباص بذل مجهود أكبر في تحسين كافة الأنظمة وفرض ذلك على المستخدمين، كما آن الأوان لبوينغ بضرورة إيجاد بديل لطائرة أثبتت جدارتها التسويقية التاريخية وآن لتصميمها التقاعد مفسحا المجال لنموذج أحدث وأفضل في النوعية والجودة، وهذا ما يجب أن يصبو إليه صناع الطائرات في العقد المقبل.