[محمد احمد عسيري]

خذ خمسة طيارين عاطلين عن العمل. امنحهم تدريبا مكثفا على الأسواق. أضف محفظة استثمارية ليجروا التجارب فيها، وضعهم في خندق مقابل مجموعة تحكم من خلفيات أخرى، وشاهد ما يحدث.

هذا ما فعلته شركة تداول صغيرة مقرها لندن في آب (أغسطس)، على أمل إثبات أن "الانضباط، والسيطرة، والعملية، والوعي الذاتي" الذي يظهره الطيارون في قمرة القيادة من شأنه أن يترجم إلى عوائد أعلى من المتوسط في الأسواق المالية.

كيت نورث هيل، وهي كابتن طيار تبلغ من العمر 45 عاما وتتمتع بخبرة 20 عاما، فقدت وظيفتها عندما انهارت شركة فلايبي Flybe في آذار (مارس)، كانت واحدة ضمن مجموعة تم اختيارها من بين نحو 200 متقدم للتدريب مع "أمبليفاي ترايدينج" Amplify Trading، ومنحت فرصة للمشاركة في أرباح محفظة صغيرة ستديرها.

لم تكن الأم لأربعة أطفال قد فكرت سابقا في التداول لكنها أدركت أن "الأسواق مغمورة بالطيارين بشكل هائل" وأن شركات الطيران في المستقبل المنظور ستخفض الوظائف بدلا من استحداثها لأن الوباء دفع الصناعة إلى أزمة.

يبدو أن الانطباعات الأولية لنورث هيل، جنبا إلى جنب مع انطباعات طيارين آخرين تحولوا إلى متداولين متدربين، تثبت النظرية التي طرحها ويل دي لوسي، رئيس أمبليفاي ومنشئ التجربة.

تقول نورث هيل، بعد أسبوعين من دخولها برنامجا مدته خمسة أسابيع، يكلف عادة خمسة آلاف جنيه استرليني: "إنه مشابه جدا للتدريب على الطيران".

البرنامج يقدم التدريب إلى جانب 60 في المائة من أي أرباح يتم تحقيقها في الصفقات المعتمدة على أساس كل حالة على حدة، والحماية من أي خسائر.

تضيف: "باعتبارنا طيارين علينا أن نفكر مسبقا في المواقف الحرجة، ما الذي سيحدث عندما تصل إلى الأرض، هذا النوع من الأشياء. إنه الشيء نفسه تماما في التداول، عندما تتحرك السوق صعودا أو هبوطا وعندما تتحرك بحدة فعلا".

تشابه آخر هو أن الطيارين "يراقبون الطقس بشكل شبه مستمر، ويتابع المتداولون الأخبار بشكل شبه دائم". بالنسبة إلى نورث هيل، كان هذا يعني تستبدل بأحد التطبيقات على هاتفها تطبيقا آخر.

دان نورمان (32 عاما) الذي كان طيارا في شركة فيرجن أتلانتيك لمدة 12 عاما قبل تسريحه في الصيف، استبدل بقائمة التحقق اليومية في قمرة القيادة، التي تتضمن أشياء مثل خطة رحلته واحتياجاته من الوقود، هدفا للتداول، بما في ذلك اتخاذ قرار مقدما عند أي مستوى سيشتري أو يبيع سهما معينا.

سمير باتيل (36 عاما)، وهو طيار كان يعمل مع إيزي جيت لمدة سبعة أعوام قبل إجازته، يقول إن هناك "تداخلا" في نوع الشخصية في مجالي الطيران والتداول؛ كلاهما يتطلب الحسم والمعالجة السريعة والفعالة لكثير من المعلومات.

لكن سرعان ما أدرك الطيارون أنه يتعين عليهم إعادة تشكيل وجهات نظرهم حول المخاطر – كان عليهم أن يكونوا مستعدين للدخول في بعضها. على حد تعبير نورث هيل: "خطورة خسارة أرواح طائرة كاملة هي خطورة هائلة، لذا نريد التأكد من عدم وجود أي فرصة لحدوث ذلك، لكن خسارة بضعة جنيهات في صفقة تداول ليست نهاية العالم".

في منتصف الطريق داخل البرنامج، شعر الثلاثة جميعا بأنهم يقومون بعمل جيد وكانوا متحمسين للتداول باعتباره وسيلة لكسب بعض المال الإضافي خلال فترات الهدوء في صناعة الطيران، أو مهنة بدوام كامل.

لكن أظهرت نتائج التجربة أن جميع الطيارين تكبدوا خسارة إجمالية، على الرغم من أن فترة تداولهم تزامنت مع ارتفاع قياسي في الأسهم العالمية. حقق ثلاثة أو أربعة في مجموعة التحكم ربحا بشكل عام، وهم مستمرون في التداول برأسمال أمبليفاي، ويحتفظون بـ60 في المائة من أرباحهم أثناء تنمية مهاراتهم.
يقول دي لوسي: "شعرت بخيبة أمل بعض الشيء. كان دان يبشر بالخير بشكل لا يصدق لكنه كان يتمسك بالمراكز لفترة طويلة، وكان مقتنعا تماما بوجهة نظر معينة ولم يخرج عنها".

لا تزال أصابع نورمان محترقة بسبب الخسارة التي يعزوها إلى أنه استهان بتقلب الذهب. كما أنه استهان "بالطريقة التي يمكن فيها للتداول الاحترافي أن يؤثر في الحياة الشخصية للفرد. أعتقد أنه سيكون من الصعب التخلص ببساطة من يوم سيئ".

لم يكن وحيدا. بشكل عام تمسك الطيارون بمراكزهم لمدة 102 دقيقة في المتوسط، مقارنة بمتوسط مجموعة التحكم البالغ 52.7 دقيقة.

يقول باتيل إنه "شعر بخيبة أمل مريرة" لأنه انتهى به المطاف بتسجيل خسارة، إلى حد كبير بسبب أخطائه الابتدائية المبكرة. قال: "في أول تداول لي لم يكن هناك أي انضباط أو هيكل أو تخطيط ووضعت أيضا طلبا غير مقصود، ما أدى إلى خسارة صاعقة، لذلك في أربعة أيام، أخذت تلك الصفقة فقط".

أثنى دي لوسي بقوة على باتيل ونورث هيل، التي كانت تشارك في البرنامج بدوام جزئي وكانت لا تزال أمامها الفرصة لتحقيق ربح. يقول دي لوسي: "المهارات قابلة للنقل بالتأكيد. لكن هذا لا يعني أنه يمكنك تسريع التدريب".

جيسون سيبل، رئيس تداول الأسهم العالمية في جيه بي مورجان وابن طيار، يعتقد "من الممكن تماما" للطيارين أن يتحولوا إلى أدوار في التداول.

جيه بي مورجان لديه خبرة في التعيينات الجانبية من مجالات أخرى. فقد دعم سابقا المتقاعدين العسكريين الذين ينتقلون إلى أدوار في التداول والخدمات المصرفية والاستثمارية، بعدما أدرك أن الهدوء تحت الضغط الناتج عن القتال يمكن أن يكون ذا قيمة في التمويل.

يقول سيبل إن المتداولين الجيدين "حاسمون للغاية بشأن الخروج من مركز خاسر – فهم يقبلون الواقع، حتى لو كان مؤلما".

يعتقد أن الطيارين سيكونون الأنسب للتداول في أشياء مثل الأدوات الغريبة، بما في ذلك المشتقات الأكثر تعقيدا، "حيث تميل المخاطر التي يجب إدارتها إلى أن تكون ذات طابع فني أكبر، وتتضمن مستوى من التفكر والنظر لن يبدو غير مألوف بالنسبة إلى شخص لديه تدريب في تعقيدات الطيران والهندسة".

فريزر سيلفي هو المدير الإداري لشركة كونر Connor، وهي شركة استشارية للموارد البشرية مقرها المملكة المتحدة، تعمل في مجال التحولات المهنية منذ 20 عاما. يقول من المهم للطيارين أن "يتصالحوا مع" إلقاء عالمهم القديم وراء ظهورهم، حتى لو كان التغيير الوظيفي مفروضا عليهم.

"إن لم يفعلوا ذلك، فهناك خطر كبير في أن يتسلل إليهم، وأي صاحب عمل محتمل لديه شك مزعج يتلخص في: ’أنت معي فقط طالما أن صناعة الطيران في حالة تدهور‘".

يقول باتيل ونورمان إن التداول لا يمكنه تكرار ضجيج الطيران. عاد باتيل منذ فترة إلى الجو، بدوام جزئي، ويواصل التداول في حسابات تجريبية لبناء مهاراته. تتمثل الخطة في "تخصيص أموالي الخاصة في خطوات يمكن إدارتها بهدف الحصول على مزيد من الحرية المالية والقيام بعملي اليومي فقط لأن هذا هو شغفي".

يعمل نورمان الآن مدرب طيران، وأسس شركة جديدة لبيع القهوة عبر الإنترنت وفي المتاجر، لكنه يقول إن التداول شيء "سيستكشفه أكثر" في المستقبل.

أما نورث هيل، فهي تجد التداول محفزا وتتمتع بالمرونة التي يمنحها لها لقضاء مزيد من الوقت مع أطفالها. تقول: "حصلت على فترات راحة من قبل، من أجل إجازة الأمومة، لكنني كنت أتطلع دائما إلى العودة. هذه المرة مختلفة، ربما لأنه لا يوجد شيء للعودة إليه".

https://www.aleqt.com/2020/10/19/article_1948246.html