بسم الله الرحمن الرحيم
العالم يحيي الذكرى المئوية لعبور بليريو "المانش" للمرة الأولى بواسطة طائرة.. وعالم الطيران يحتفل بـ"إنجازات" نقلته من مرحلة إلى أخرى!
مئة عام مرّت على "الانجاز" الذي حقّق "النقلة النوعية" الأولى من نوعها ومكّن عالم الطيران من "العبور" من مرحلة إلى أخرى!
ففي مثل هذا اليوم قبل مئة عام، أقلع لويس بليريو بطائرته البدائية من الشاطىء الفرنسي، وحلّق فوق بحر المانش، ثم هبط بامان بعد نصف ساعة، على الشاطىء البريطاني...
رحلة "قصيرة" لمسافة ثلاثين كلم تبدو لأي قارئ اليوم أشبه بـ"جولة سياحية" أو على أقل تقدير رحلة عادية لكنها كانت يومها، بالنسبة لـ"بطلها"، "إنجازاً" توّجه "بطلاً" وأدخله تاريخ الطيران من الباب العريض..
تاريخ يبدو اليوم حافلاً بـ"الانجازات" و"النقلات النوعية" التي عرفها العالم في وقت بدا الكوكب عبارة عن "قرية كونية" واحدة، لكنه لا ينسى "الانجاز الأول" الذي تحقق قبل مئة عام من اليوم..
وفي الذكرى المئوية على قيام لويس بليريو بعبور المانش، تضيء "النشرة" على الرحلة والأثر الذي تركته في عالم الطيران وتتوقف عند سيرة "بطل الطيران" المذكور مع وقفة عند أبرز المحطات التي شهدها تاريخ الطيران عموماً..
من هو لويس بليريو؟ وكيف قرّر إتمام "إنجازه"؟
لويس بليريو Louis Bleriot رائد طيران ومهندس فرنسي، كان أول من اجتاز على متن طائرة من تصميمه وصنعه قنال المانش، بين إنكلترا وفرنسا. ويعدّ من الرواد الأوائل الذين ساهموا في دفع الطيران في بداياته.
ولد لويس بليريو في الأول من تموز 1872 في مدينة كامبراي Cambrai (الشمال) حائز على دبلوم في الهندسة من المدرسة المركزية سنة 1895.
دخل بليريو عالم صناعة السيارات في العام 1897 حيث بدأ بليريو حياته العمية في مجال صناعة مصابيح الأستيلين للسيارات، قبل أن ينتقل نشاطه إلى مجال تصميم الطائرات وقيادتها، وقد بدأ يمارس هوايته هذه بدءاً من شهر آب سنة 1899، وهي السنة التي أنجز فيها نموذجاً لطائرة ذات جناحين خفاقين كجناحي الطائر، أطلق عليها اسم "أورنيتوبْتِر" ornithopter.
في العام 1903 صنع بليريو أول "طائرة" خاصة به قبل أن يتفق في العام 1905 مع الطيار وصانع الطائرات الفرنسي، غابرييل فوازين Gabriel Voisin، على صنع طائرة شراعية مقطورة على شكل صندوق ومزودة بجهاز للهبوط على عوامات. لكنّ التجارب العديدة التي قاما بها في العام 1906، والتي كان آخرها محاولة التحليق فوق نهر السين على طائرة شراعية ثنائية الأجنحة، لم تحقق نجاحاً. وبعد أن توافرت إمكانات استعمال محركات قوية خفيفة الوزن، قرر بليريو الانفراد في تصميم طائرة مزودة بمحرك، أنجزها في أيلول عام 1907 وسماها "اليعسوب" Libellule، وعرفت رسمياً بالنموذج بليريو رقم VII، وتمكن من التحليق بها مسافة 184م قبل أن يهبط بها اضطرارياً وتتحطم. ومع أن هذا النموذج لم يكن ناجحاً تماما، فقد عد أساساً لتطوير الطائرات الأوربية فيما بعد.
وفي31 تشرين الأول عام 1908 تمكن بليريو، بعد أن أدخل تحسينات كثيرة على نموذجه، من القيام بأول رحلة سياحية جوية ذهاباً وإياباً بين ضاحيتين من ضواحي باريس وذلك عبر التحليق بطائرته مسافة 700 متر.
لم يحقق بليريو النجاح الكامل إلا عندما أنتج طائرته الأحادية الجناح التي صممها بنفسه من نموذج "بليريو ـ XI" وزنها 210كغ، وقد ركَّب عليها محركاً جيداً من نوع أنزاني Anzani استطاعته 25 حصــاناً، وتمكن على متنها في الخامس والعشرين من شهر تموز سنة 1909 من اجتياز بحر المانش على ارتفاع 100م، فأقلع من أحد الحقول قرب مرفأ كاليه الفرنسي، وهبط في جوار ميناء دوفر الإنكليزي قاطعاً المسافة في 38 دقيقة، وبلغت سرعته 75 كم/سا، وعاد في اليوم نفسه. وقد منحه هذا النجاح شهرة كبيرة وجائزة مالية بقيمة 1000 جنيه إسترليني رصدتها مجلة ديلي ميل الإنكليزية، إضافة إلى تقلُّده وسام جوقة الشرف الفرنسي.
أبرز هذا الحدث أهمية الطيران وما يمكن أن يقدمه في الأعمال الحربية والمؤسسات العسكرية، وحصل بليريو فور إعلان نبأ نجاحه على طلبات كثيرة لطائرته هذه، فأسس في العام 1910 مدرسة لتعليم قيادة الطائرات ومصنعاً للطائرات أسماه مصنع بليريو في لوفالوا كما أنتج طائرات تدريب للحكومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وافتتح مصنعا ضخما في سورسن في العام 1916 وشارك في إنتاج طائرات سباد المقاتلة Spad fighter الشهيرة.
في العام 1920، بدأ بتصنيع الدراجات النارية وحقق في 12 آب 1926 رقماً قياسياً عالمياً في الارتفاع بلغ 12442م، وشارك مشاركة فعَّالة في تطوير الطيران التجاري إلى أن مات بليريو في باريس في في الأول من آب 1936 عن عمر 64 عاماً ودفن فيها.
38 دقيقة غيّرت تاريخ الطيران.. وكلّفت 25000 فرنك ذهبي