فزع العالم بخبر تحطم طائرة السوخوي (سوبر جيت 100) المخصصة لنقل الركاب، التي يعول الروس عليها الكثير في استعادة مجدهم الغابر إبان حكم السوفيت في صناعة الطيران؛ وزاد الفزع أكثر، حينما اكتشف أنها اصطدمت بسرعة عالية بسفح جبل بركاني بأندونيسيا، حيث كانت في جولة تسويقية تقوم بها الشركة الصانعة لها بغرض إتاحة المجال لاستعراض إمكانات الطائرة. السؤال هنا: ما الذي أدى بها إلى الاصطدام بالتضاريس الأرضية؟ هل هو عمل إرهابي؟ أم خلل فني؟ أم خطأ بشري؟ لكن السؤال الأبرز هو: هل زودت الطائرة بجهاز التنبيه القياسي لخطر الموانع الأرضية؟ وإذا كان الجواب بالنفي، لماذا لم تزوّد به؟ وإذا كان بالإيجاب، ما الذي طرأ عليه؟ لذا لابد من تسليط الضوء على خطر الاصطدام بالتضاريس والموانع الأرضية، وتبعاته.
تعد طائرة «سوبرجيت - 100» أول طائرة ركاب مدنية جديدة تصنعها روسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. وقامت شركة سوخوي بإنتاج الطائرة بالتعاون مع شركات غربية. وتأمل الحكومة الروسية في توريد الطائرات الجديدة إلى السوق الخارجية، ولذلك نظمت جولة لترويج «سوبرجيت 100» في عدة دول آسيوية.
الحادث
اصطدمت الطائرة الروسية بمنحدر جبلي وهي تسير بسرعة عالية للغاية، ما أدى الى تدميرها بالكامل، ومقتل جميع ركابها. وتشير آخر المعلومات إلى أن الطائرة التي تحطمت خلال تحليق استعراضي، كانت تقل 45 شخصا، هم الطاقم المتكون من 8 مواطنين روس، وممثلون عن عدة شركات طيران اندونيسية. ويرجح الخبراء ان تكون الطائرة الروسية اصطدمت بالصخور الرأسية التي تشكل جبل سالاك الواقع في الجزء الغربي من جزيرة جاوة، أكبر الجزر الاندونيسية. وكان من المتوقع أن يستمر التحليق الاستعراضي للطائرة نصف ساعة، وبعد مرور نحو 20 دقيقة من إقلاعها، اتصل الطاقم بالمراقبين الجويين وطلب منهم السماح له بالهبوط من ارتفاع 3 كيلومترات إلى ارتفاع نحو 1.8 كيلومتر. وبعد موافقة المراقبين الجويين على ذلك، اختفت الطائرة من على شاشات الرادارات، وانقطع الاتصال بها. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع جبل سالاك في مكان اصطدام الطائرة الروسية بها، يبلغ 1.6 كيلومتر.
الخطر لا يزال حاضراً
معظم الحوادث التي وقعت للطائرات الاقليمية ذات الدفع المروحي، هي العائدة الى الاصطدام بالموانع الارضية، او CFIT اختصارا لـ Flight Into Terrain Controlled ، فمعظم الطائرات التي تحطمت نتيجة اصطدامها بالموانع الارضية، لم تكن مجهزة بأجهزة انذار، ومنع الاصطدام بالموانع الارضية كالـ IGPWS، وTerrain Awareness and Warning Systems TAWS، فخلال السنوات الماضية لم تسجل اي واقعة اصطدام طائرة بالموانع الارضية تم تزويدها بأحد هذين الجهازين، لذلك تحث منظمة الطيران العالمية ICAO/الأيكاو على فرض مثل هذه الأجهزة بعد نجاح تعميم جهاز منع الاصطدام ما بين الطائرات في الجو TCAS، وحاليا تبين الاحصائيات ان دول شمال القارة الاميركية واوروبا الغربية باتت معظم طائرات الركاب لديها مجهزة بمثل هذه الاجهزة، وتدرس اميركا تعميمها على الطائرات الشخصية الخفيفة ذات الدفع المروحي أخيرا، وهو ما يجعل نصف اسطول الطائرات العالمي مجهزا بهذه الاجهزة، ويبقى على دول العالم الثالث ان تقوم بمثل هذه الخطوة ان من بين كل 5 حوادث CFIT تقع، 3 منها تحدث لطائرات اقليمية مروحية الدفع، وفي حالة الطائرة الروسية سوخوي يستغرب لحدوث ذلك، رغم أنها طائرة إقليمية، لكنها نفاثة الدفع ذات سعة تتراوح ما بين 60 إلى 90 راكبا، خصوصا وأن الطائرة مزودة بالجيل الثاني من أجهزة منع التصادم في الجو وبالموانع الأرضية المدمج Second generation Terrain and Traffic Collision Avoidance System (T2CAS) كما يشير البروشور الخاص بتسويق الطائرة.
تاريخ التطبيق
يعود الفضل في ابتكار أول جهاز لتنبيه الطيارين من خطر الاصطدام بالموانع، والتضاريس الأرضية إلى دون بيتمان – Don Bateman الذي نال شهادة في الهندسة الكهربائية، وعمل في شركة بوينغ لصناعة الطائرات، حيث تمكن من جمع معلومات عن التضاريس والموانع الأرضية ودمجها مع جهاز مقياس الارتفاع الراداري – Radar Altimeter أو Radio Altimeter وهو مقياس ارتفاع راديوي أو لاسلكي يستخدم لتبيان ارتفاع الطائرة فوق التضاريس الأرضية، وبالتالي يصبح هناك معلومات كاملة قابلة للمتابعة مع أي تغيير لمسافة اقتراب الطائرة من أي مستوى تضاريسي، أو حتى سطحي مثال على ذلك الأرض المنبسطة أو حتى المسطحات المائية، وقد طبق في العام 1974 على طائرات الركاب النفاثة، ومن ثم تم تحسينه تباعا.
حماية حقيقية
مع تطبيق نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية GPS في مجال الطيران عام 1994، قام المهندس بيتمان بإضافة تلك الخاصية إلى جهاز التنبيه من الاصطدام بالموانع الأرضية، ليشتمل على 3 عناصر أساسية، بعد أن كانت تعتمد على واحد في بادئ الأمر؛ الأول كما أشرنا أعلاه Radar Altimeter، والثاني Airspeed Indicator مبين السرعة الهوائية للطائرة، والثالث بالطبع نظام GPS، وهو ما عزز من قدرة هذا النظام على إنقاذ أرواح كثير من البشر، حيث زودت أكثر من 55 ألف طائرة في يومنا هذا بالنظام، وتم تكريم بيتمان أخيرا من قبل الرئيس الأميركي أوباما، بمنحه قلادة (ميدالية) الدولة للابتكار والتكنولوجيا الرفيعة المستوى، حيث بلغ الثمانين من عمره في مارس الماضي.
أضعف الإيمان
حسنا بعد أن استعرضنا مميزات جهاز التنبيه من خطر الاصطدام بالموانع الأرضية، وبينا أن طائرة سوخوي المنكوبة تمتلك الجيل الثاني من تلك الأجهزة حسب ما هو مذكور في نشرة التسويق (البروشور) للمصنع، لا بد لنا من الخوض في احتمالية تعطل الجهاز، فما هو البديل الطارئ ؟ قد يفاجأ بعضهم من أن هناك قابلية ولو محدودة لاستخدام أجهزة الرادار في الطائرات المدنية، كرادار الطقس بصورة فعالة في الملاحة، وليس فقط في رصد التغيرات الطقسية. فمعظم رادارات الطقس على طائرات النقل الجوي، يمكن توجيه صحن البث الراداري في مقدمتها الى الأسفل، كي تعطي صورة رادارية للتضاريس أسفل الطائرة، وتسمى تلك العملية Radar Terrain Mapping، ويمكن استخدامها في الرحلات الاعتيادية، ولكنها تصبح حيوية عند الحالات الطارئة عندما تتعطل الأنظمة الملاحية الأخرى على متن الطائرة، ولا يوجد غير رادار الطقس كبديل لاستخدامه.
في نهاية المطاف لا يمكن الجزم في هذه الفترة القصيرة للأسباب التي أدت إلى اصطدام طائرة السوخوي بسفح الجبل في أندونيسيا، لكن وحده الصندوق الأسود يمكنه أن يبين ماذا حدث بالفعل.
رابط المصدر