[{ملكة بديني}]

افكار لمنع الجليد من التحرك نحو البحر

تأتي النهايات بالنسبة لبعض المناطق بطيئة جداً مع ارتفاع مستوى سطح البحر ببطء كل عام، وهذا كان مصير عدد من المدن القديمة، مثل «هيراكليون» و«كانوبس» الشرقية، التي استغرق الأمر قروناً حتى ابتلعها البحر بالكامل، وفي أمكنة أخرى من العالم تؤدي مياه البحار إلى انجراف التربة وتآكلها، وهذا ما حدث في الميناء الإنجليزي «دنويتش» في القرون الوسطى، أما في حالات أخرى فقد تحل الكارثة بين عشية وضحاها، حيث تهب العواصف العاتية والأمواج الهادرة لتقتلع البيوت والأشجار وتقتل الناس في ساعات أو دقائق، كما حدث في أندونيسيا.
مع ارتفاع درجات حرارة الأرض يرتفع مستوى سطح البحر، وهذا الارتفاع لا يزال بطيئاً حتى الآن، غير أن وتيرته يُتوقع أن تتسارع، وهذا يهدد المناطق الساحلية على امتداد العالم، التي تشتمل على كثير من المدن الكبرى والأراضي الزراعية الخصبة، بالغرق والاندثار، ويتوقع العلماء أن يرتفع مستوى سطح البحر متراً واحداً أو أكثر بحلول نهاية القرن الحالي، الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير البنى التحتية الأساسية لكثير من الدول، وتهجير مئات الملايين من البشر من بيوتهم، وما هذه إلا البداية فقط.
يقول خبير الجبال الجليدية في ناسا «بوب بينشاندلر» إنه ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن القرن المقبل سيكون أسوأ بكثير من قرننا الحالي.
وفي حال سعت الدول الكبرى لإنفاق تريليونات الدولارات لحل المشكلة، فإن ذلك لن ينقذ سوى المدن الكبرى مثل نيويورك وشنغهاي ولندن، أما لإنقاذ كل المدن المنخفضة فإن الأمر يبدو أصعب بكثير، ويرى الكثير من خبراء البيئة أنه بدلاً من محاولة التصدي بكل الأشكال للبحر الهادر وارتفاع مستوياته، فإن الأفضل محاولة منع البحر من الارتفاع أساساً، ومنع جليد القارة القطبية المتجمدة من الذوبان، أو حتى التفكير بطريقة لزيادة كميات جليد القطب.
صحيح أن الأمر يبدو خيالاً لكن العالم مطالب الآن بالنظر في تلك الطرق بجدية، لأنه لا توجد بدائل أخرى، ففي حال استمر البشر بتلويث الجو فإن مستوى سطح البحر سيرتفع لا محالة، أما إذا نجحت البشرية في تقليص الانبعاثات الضارة بشكل جذري، فإن ذلك الارتفاع سيتوقف أو يتباطأ بشكل كبير، وعلينا فعل ذلك بسرعة لأن الوقت ليس في صالحنا.
من أسباب تقلص القطع الجليدية الضخمة في «غرين لاند» والقارة القطبية المتجمدة أن الجليد المحيط بها، الذي يعمل عمل الكوابح، بحيث يبقيها على اليابسة، ويمنعها من الانفلات نحو الاتجاه نحو المياه، بدأ يزول شيئاً فشيئاً، لهذا بدأت تلك القطع الجليدية الضخمة بالتحرك نحو المياه الأكثر دفئاً. ويعد مايك ماكراكين، الخبير البيئي في معهد المناخ في واشنطن، من أوائل العلماء الذين فكروا في ضرورة إيجاد حلول جذرية لمسألة ذوبان الجليد، حيث يرى أن تلك المسألة ضرورة حاسمة وأفضل بمليون مرة من الجلوس فحسب ومراقبة التيارات الدافئة وهي تذيب الجبال الجليدية.
وفي العام الماضي، اقترح الفيزيائي راسل سيتز، من جامعة هارفرد الأميركية، أن يتم تبريد الأرض عن طريق إرسال أساطيل من القوارب المخصصة إلى مناطق بحرية معينة، لتقوم بتكوين فقاعات صغيرة من الهواء داخل مياه البحر.
وهذا الأمر سيؤدي إلى تحويل سطح المحيط إلى اللون الأبيض، ما سيعكس كمية أكبر من أشعة الشمس، ويقول ماكراكين إنه يمكن استغلال تلك الفقاعات بشكل أكثر فعالية عن طريق توجيهها لتبريد تيارات معينة قريبة من القطع الجليدية مثل جبل «جاكوبشافن»في غرينلاند، الذي بدأ يذوب بسرعة أكبر من أي وقت مضى.
علماء آخرون يفكرون في حل أكثر مباشرة، وهو أن يقوموا ببناء حواجز تمنع انزلاق القطع الجليدية الضخمة إلى البحر، لكن لهذه الفكرة من يعارضها على اعتبار أنها فكرة غير عملية.
حيث يرى الكثيرون أنه من الصعب تنفيذ عمليات البناء في مناطق نائية، وعلى سبيل المثال، فإن النهر الجليدي في جزيرة باين في القارة القطبية المتجمدة يتحرك كل يوم 10 أمتار باتجاه البحر، أما قعر البحر في تلك المنطقة فيبلغ ألف متر، وهو مكون من تربة تشبه معجون الأسنان، ولا تصلح لبناء أية حواجز.
لكن حتى في حالة نجاح العلماء في منع الجبال والأنهار الجليدية من التقدم، والسيطرة على مستويات البحر ومنعها من الارتفاع مجدداً يبقى سؤال واحد ملح، وهو: هل بالإمكان أن تنجح البشرية يوماً في إعادة البحر إلى مستوياته الأولى؟

إعداد ـ يوسف جباعته
من جريدة البيان

[yazan alazab]

شــــــكرا على الخبر