[مواطن كويتي]

هل يقضي على أزمة ارتفاع أسعار وقود الطائرات؟ الطيران والوقود الصناعي






إعداد: علي محمد الهاشم

في معرض دبي 2007 الماضي وخلال فعالياته، أبرمت الخطوط الجوية القطرية اتفاقية مع أهم الشركات في قطاع الطيران والوقود لإجراء دراسة لمعرفة فوائد استخدام الغاز المسال كوقود صناعة
Synthetic Fuel) بديل للوقود الحالي الأحفوري في تشغيل الطائرات. وفي وقتنا الحالي وقبيل افتتاح الدورة الحادية عشرة للمعرض، حققت القطرية أعظم انجاز في تاريخ الطيران حينما نجحت في أن تصبح أول شركة طيران تجارية في العالم تقوم باستخدام الغاز المسال لتشغيل طائراتها بعد أن سيّرت أول رحلة جوية تجارية في الأسبوع الماضي بواسطة طائرتها إيرباص 340-600 التي زودت بوقود صناعي مستخلص من الغاز الطبيعي مناصفة مع وقود الكيروسين العادي «جيت إي ــ 1» منطلقة من مطار لندن «غاتويك» وبحمولة كاملة من الركاب. فما هي فوائد استخدام الوقود الصناعي؟ وما هي خواصه؟ وكيف ستكون أبعاد ذلك الإنجاز على صناعة الطيران والنقل الجوي ووقود الطائرات؟

بعيدا عن ارتفاع سعر برميل النفط وتبعاته، وعما يدور من أحداث في البورصات العالمية للنفط، تتهيأ منطقة الخليج، وتحديدا عاصمة الطاقة (الدوحة)، لانقلاب مثير في السنوات القادمة من خلال انتاج كميات ضخمة من الوقود الصناعي وطرحها في الأسواق العالمية. وتقوم كل من «قطر للبترول» و«شل» بتشييد مجمع من الطراز الأول عالميا للغاز المسال يقدر بمليارات الدولارات من شأنه تحويل دولة قطر إلى أكبر عاصمة للغاز المسال في العالم فور الانتهاء من تشييده في عام 2011. وتتعاون كل من الشركات المساهمة في الاتفاقية، وهي «قطر للبترول» و«شل/SHELL» للوقود و«إيرباص» و«رولز رويس» لصناعة المحركات و«واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا» و«وقود» (الشركة القطرية للبترول)، مع الخطوط الجوية القطرية في في هذا المشروع الطموح لإنتاج الوقود الصناعي واستثماره في مجال وقود الطائرات كبديل حقيقي وفعال للوقود التقليدي المستخدم حاليا (Fossil Fuel) في بادرة مشجعة وحثيثة للتخفيف من الانبعاثات الضارة بالبيئة.

ما هو الوقود الصناعي؟
يطلق على أي وقود سائل يتم استخلاصه من الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي أو الكتل الحيوية كالمحاصيل الزراعية أو كم هائل من المواد الصلبة والمخلفات الصناعية كالبلاستيك والقار (الزفت) وغيرها وقودا صناعيا، أي انه وقود ينتج صناعيا بيد البشر لا بفعل الطبيعة كالوقود العادي الذي يستخرج من الأرض.

أحد أسرار الحرب العالمية الثانية
يعتبر الوقود الصناعي أحد أسرار ألمانيا النازية وسر استمرار آلتها العسكرية في العمل أثناء الحرب العالمية الثانية حتى تنبه الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الى مواقع انتاج ذلك الوقود فقصفته، ومن هنا تقلصت إمدادات الجيش النازي من الوقود وخسرت ألمانيا بقيادة هتلر الحرب بسبب ذلك، لكن الولايات المتحدة الأميركية وضعت يدها على تلك المعادلة والإجراء وأبقته سرا وحصرت استخدامه بآلتها العسكرية، لكنها اليوم لم تعد الوحيدة التي تملك هذه المعادلة فقد أصبحت أول دولة تنتج الوقود الصناعي تجاريا ولو بكميات محدودة هي جنوب أفريقيا عبر شركتها ساسول SASOL التي تستخلص الوقود الصناعي من الفحم الحجري بمعدل مائة ألف برميل يوميا، وتضخ ما يوازي 50% منه كوقود طائرات بمطار جوهانسبرغ وتقوم بخلطه مع الوقود الأحفوري لتحسن من نوعية الأخير. ولدى الولايات المتحدة مخزون هائل من الفحم الحجري ستستخدمه أخيرا في انتاج الوقود الصناعي لتغذية السوق الداخلي.

عملية إنتاج الوقود الصناعي
تعتمد عملية تكوين أو انتاج الوقود الصناعي على المصدر الأساسي لتلك العملية في المعمل، وهي تنقسم في الدارج إلى ثلاث فئات، إما CTL أي Coal-To-Liquids من فحم حجري إلى سائل، أو BTL أي Biomass-To-Liquids من كتل حيوية إلى سائل، وGTL أي Gas-To-Liquids من غاز طبيعي إلى سائل، وأفضل إجراء لإنتاج الوقود الصناعي عبر تلك المصادر هو ما يعرف بالإجراء التصنيعي Fischer-Tropsch (فيشر- تروبش ) الألماني الذي تم استخلاص اصطلاحه من اسمي العالمين الألمانيين فرانتز فيشر وهو كيميائي وهانز تروبش اللذين وضعا أسس تحويل المصادر السابقة إلى انتاج للوقود الصناعي في منتصف العشرينات من القرن الماضي، والتي تتلخص في مزج غاز الميثان مع الهواء عبر محفز لتوليد غاز اصطناعي، يتكون من خليط من أول أوكسيد الكربون والهيدروجين، ومن ثم يتم تحويل ذلك الغاز إلى خليط مسال هيدروكربوني باستخدام محفز آخر، بحيث يتمتع إجراء «فيشر- تروبش» بخلو الوقود المصنع عبره من الكبريت والرائحة.

وقود ذو خصائص استثنائية
يتميز الوقود الصناعي بكونه أفضل كفاءة وأخف وزنا نوعيا من الوقود الأحفوري الحالي بنسبة 5 %، كما يتميز بكثافته العالية مما يجعل من الممكن حمل الكمية نفسها التي تحملها الطائرة من الوقود لكن بمدى طيران أطول دون أن يتطلب ذلك إجراء تعديلات على الخزانات الحالية للطائرات. كما ويتميز الوقود الصناعي بأنه أنظف من الوقود الأحفوري بكثير ولا يخلف انبعاثات كثيرة ضارة بالبيئة ويمتاز بكثافته العالية مما يمكن معه حمل كمية الوقود نفسها بالطائرات، ولكن مع مدى طيران أبعد. من جانب آخر يتمتع الوقود الصناعي بثباته الحراري وهذا يسمح للمحركات بالعمل على درجات حرارة عالية، مما يساهم ذلك في تحسين كفاءة الوقود الأمر الذي يزيد من عمر المحرك عدا عن ذلك فإن لديه عيبا يتمثل في تفاعله مع عوازل التسريب، لكن هذه لا تشكل معضلة حيث يمكن معالجتها باستبدال تلك العوازل المصنوعة من المواد المطاطية بأخرى صناعية لا تتفاعل معها. وتجدر الإشارة إلى أن عملية استخلاص وإنتاج الوقود الصناعي من الفحم الحجري معقدة وتتطلب استنزاف طاقة عالية لذلك، لذا فهي ليست محبذة وكذلك هي من ضمن المواد المعرضة للنفاد يوما ما. أما عملية توليد الوقود الصناعي من الغاز الطبيعي فهي اسهل وأكثر سلاسة من توليده بواسطة الفحم الحجري، أما أفضل المصادر لتوليد الوقود الصناعي فهو باستخدام الكتل الحيوية أو Biomass لكونه لا ينتج مخلفات ثاني اكسيد الكربون المسؤولة عن الاحتباس الحراري، لكنه يحتاج الى كميات ضخمة من المحاصيل الزراعية لإنتاجه، مما قد يتسبب في إحداث مجاعة عالمية.

قطر والوقود الصناعي
إذا كانت ألمانيا هي التي اخترعت الوقود الصناعي وأظهرته إلى الوجود، وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد احتكرت كيفية تصنيعه لفترة، فإن جنوب أفريقيا هي التي حولته للإنتاج التجاري ولو كان اقتصاره على السوق المحلي. لكن قطر عبر اتفاقية انتاج هذا الوقود بالتعاون مع 7 شركات وجهات متخصصة ستكون هي المتربع على عرش انتاج هذا الوقود البديل، خصوصا أنها تمتلك أكبر حقل غاز طبيعي في العالم يقدر مخزونه بــ 25 تريليون متر مكعب يكفي مخزونه لأكثر من 200 سنة بإنتاج متواصل. ولهذا كانت قطر موفقة في الاستثمار بهذا المنوال، وستبقى منطقة الخليج العربي مصدرا مهما للطاقة من دون منازع سواء الأحفوري أو الصناعي.

الوقود مطلب أساسي لنمو حركة الطيران
تستهلك شركات الطيران في العالم 1.75 مليون برميل نفط باليوم فقط، أي ما نسبته 2% من مجموع الاستهلاك العالمي المتنوع، لكن هذا المعدل في ازدياد مستمر ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع للعقد القادم، وفي الولايات المتحدة وحدها يستهلك قطاع النقل الجوي ما معدله 6% من إجمالي الاستهلاك الداخلي هناك، ويأتي بالمرتبة الرابعة بالنسبة لأكبر مستهلكي النفط فيها، وحتى كتابة هذه السطور يبدو لنا أن معدل سعر بيع برميل النفط سيتراوح ما بين 65 دولارا إلى 70 دولارا أميركيا وهو سعر مرتفع، وان هذا المعدل سيلازم هذا السعر حتى عام 2012، لكن في الوقت نفسه، ما إن تحدث أزمة في مكان ما في العالم وتكون حيوية كمنطقة الخليج العربي، التي قد تشهد في هذه الاثناء حربا أخرى، فإن معدل سعر البرميل معرض للقفز إلى 100 دولار أميركي، مما سيعني كارثة مدمرة لقطاع الطيران العالمي، الامر الذي سيؤدي إلى انهياره كليا؛ لذا فإن تأمين مصادر أخرى للوقود بالنسبة لشركات الطيران يعد أمرا مطلوبا وملحا بقوة.


www.alqabas.com.kw