في تقرير يتسم باللهجة الحادة، قال المراقب والمدقق العام للحسابات في الهند إن شركة الطيران التي تديرها الدولة فشلت في تحقيق الأهداف بشأن بيع الأصول، ما أجبرها على اتخاذ قروض مكلفة قصيرة الأجل أدت "إلى حد كبير إلى تآكل" فوائد عملية الإنقاذ التي كانت بقيمة 422 مليار روبية في عام 2012 حسب تقديرات من قبل نيودلهي.
لقد كانت لحظة مذلة لشركة الطيران الهندية الوطنية، بلا شك، مع كشف مؤسسة تدقيق حسابات شركة الطيران الهندية الشهر الماضي، من أن الشركة التي سجلت الأرباح أخيرا في العام الماضي، بعد ما لا يقل عن ثمانية أعوام من الخسائر ما قبل الضرائب، كانت تقلل من خسائرها التشغيلية بنحو 64 مليار روبية (964 مليون دولار) بين عامي 2012 و2015.
التوبيخ، الذي جاء بعد أقل من عام من عودة شركة الطيران الهندية إلى الربحية، أثار المخاوف بشأن مستقبل شركة الطيران في "سيناريو صناعة غير موات" الذي كان له أثر كبير على الشركات المنافسة، بما في ذلك شركتي كينجفيشر إيرلاينز وسبايس جيت.
بالنسبة لكثيرين في الهند، فإن شركة الطيران الوطنية تحمل أهمية رمزية كبيرة. نجاحها أو فشلها أصبح رمزا لمستقبل الشركات المملوكة للقطاع العام في البلاد، التي كانت حتى التسعينيات تحت حماية الدولة من المنافسين في القطاع الخاص. في آب (أغسطس) الماضي، قال ناريندرا مودي، رئيس الوزراء، في خطابه ليوم الاستقلال إنه ينوي جعل شركة الطيران مثالا على شركة عامة مجددة.
وقال: "أستطيع القول بارتياح أن شركة الطيران الهندية، التي كانت لديها صورة سيئة، قد نجحت في تسجيل أرباح تشغيلية العام الماضي". يقول المحللون إنه في مواجهة المنافسة الشديدة من شركات الطيران الإضافية، فإن التكاليف التشغيلية المرتفعة والضغط الحكومي على المسارات وأسعار التذاكر، باتت صناعة الطيران التي تهمها التكلفة في الهند، ستخضع لهيمنة شركات الطيران ذات الأسعار المخفضة في المستقبل.
تقرير مؤسسة التدقيق انتقد شركة الطيران الهندية لفشلها في الانتقال إلى النموذج الأقل تكلفة الذي دفع منافسين مثل شركتي إنديجو وجوإير إلى أعلى السوق.
أشار التقرير: "لاحظت مؤسسة التدقيق أنه لم يكن هناك تقدم في إطلاق عمليات منخفضة التكاليف من قبل شركة الطيران الهندية"، مضيفا: "الأساس المنطقي لهذا كان غير واضح نظرا لحقيقة أن ظروف السوق لم تتغير جذريا... وشركات الطيران منخفضة التكاليف بقيت الشريحة الأكثر ربحية في القطاع المحلي".
قروض شركة الطيران الهندية قصيرة الأجل بلغت 144 مليار روبية (2.2 مليار دولار) في نهاية آذار (مارس) من عام 2015، ما زاد من حجم جبل الديون طويلة الأجل التي بقيمة 351 مليار روبية. قال التقرير: "عبء الديون العالي للشركة يساهم أكثر في إجهاد السيولة، والشركة خسرت حصة سوقية كبيرة في الأعوام الأخيرة".
الأمر الذي له دلالته، مشاكل شركة الطيران الهندية تأتي في الوقت الذي يمكن أن تستفيد فيه من الصناعة المتوسعة. الهند هي سوق الطيران الأسرع نموا في العالم، حيث البيانات الحكومية تشير إلى أن أعداد الركاب المحليين قد زادت بنسبة 23 في المائة في عام 2016 مقارنة بالعام السابق. في الوقت الذي تبتعد فيه طبقاتها المتوسطة المتنامية بشكل كبير عن السفر بالسكك الحديدية، تشير تقديرات جمعية النقل الجوي الدولية إلى أن الهند ستكون ثالث أكبر دولة في العالم للطيران بحلول عام 2020.
شركة الطيران الهندية، التي هيمنت على السوق فيما مضى، تملك الآن حصة بنسبة 14 في المائة فقط، في الوقت الذي جذبت فيه الشركات المنافسة منخفضة التكاليف مثل إنديجو وجوإير الركاب الحريصاء بشأن التكلفة، خاصة على المسارات المحلية. على الرغم من الحروب المتكررة على أسعار التذاكر، إلا أن شركة الطيران الهندية كانت غير قادرة على إبقاء الأسعار منخفضة، أو الاستثمار في الطائرات ذات الهيكل الضيق اللازمة للرحلات القصيرة.
المنافسة من المتوقع أن تزيد فقط، مع قيام شركات طيران مثل إيرآسيا وفيستارا ببناء وجودها في الهند، جنبا إلى جنب مع خطط من قبل شركة طيران شرق أوسطية ذات تمويل كبير، من شاكلة الخطوط الجوية القطرية، لإطلاق شركة طيران هندية.
هناك ما بين 600 و650 طائرة من المقرر أن تنضم إلى سماء الهند في الأعوام العشرة المقبلة، وذلك وفقا لتقديرات من مركز طيران منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
يقول أمبر دوبي، رئيس قسم الطيران والدفاع في الشركة الاستشارية، KPMG: "أنا هنا منذ 25 عاما، وأستطيع سماع ذلك الاهتزاز حيث تشعر أن هناك شيئا ما ينمو وسوف ينفجر. إنها سوق حساسة جدا الآن".
التكاليف التشغيلية في شركة الطيران الهندية مرتفعة عند مقارنتها بالمنافسين المحليين، وذلك وفقا لمركز طيران منطقة آسيا والمحيط الهادئ: تكلفتها بقيمة 4.85 روبية لكل كيلومتر مقعد متاح – وهو مقياس للكفاءة - هو أعلى بكثير من تكلفة شركتي إنديجو بقيمة 3.11 روبية وجوإير بقيمة 3.03 روبية.
على الرغم من الجهود لخفض التكاليف، إلا أن شركة الطيران الهندية عانت من المتطلبات البيروقراطية المعقدة التي تعني أنها تتعرض لضغط سياسي للحفاظ على مسارات غير ربحية.
دراسة مؤسسة التدقيق، التي كانت بقيادة كبير المستشارين الاقتصاديين في الحكومة آرفيند سوبرامانيان، أثارت دعوات لضرورة خصخصة شركة الطيران. وأشار أنه "من خلال تحدي التاريخ، لا يزال هناك التزام لجعل شركة الطيران في القطاع العام غير المربحة بشكل دائم ’من الطراز العالمي‘".
يقول نيلام ماثيوز، محلل طيران مستقل: "الأمر مثل البئر؛ تستمر بسكب الماء وهو يستمر بامتصاصه. إنها بحاجة إلى إعادة هيكلة، الأمر التي هي غير قادرة على فعله - حيث لا تستطيع التخلص من الناس بهذه السهولة لأن هناك الكثير من القضايا النقابية. إنها بحاجة بالتأكيد إلى تغيير في العقلية من الحكومة".
شركات الطيران الهندية ليست غريبة على البؤس المالي. في الأعوام الخمسة الماضية، انهارت شركة كينجفيشر إيرلاينز، التي يديرها قطب الأعمال فيجاي ماليا، تحت جبل من الديون بينما كان لا بد من إنقاذ شركة الطيران منخفضة التكاليف سبايس جيت من حافة الإفلاس من قبل مؤسسها.
يقول ديراج ماثور، الشريك في شركة برايس ووترهاوس كوبرز: "بالنسبة لشركة تحقق الكثير من الخسائر بقدر شركة الطيران الهندية، فهي بحاجة إلى تخفيض كل شيء، لكنهم لا يفعلون. أعتقد أنه ينبغي خصخصتها".
مع ذلك يقول المحللون إن الخصخصة ما تزال بعيدة إلى حد كبير عن شركة الطيران الهندية، العالقة بين الكبرياء القومية والمزاج العام، لكن في الوقت الذي تتراكم فيه الديون، وتقوم فيه المزيد من شركات الطيران ذات الكفاءة بتعزيز أوضاعها، فلا بد لشيء ما أن يدفع الثمن. يقول ماثيوز: "في النهاية، لا بد أن يكون هناك قدر من سلامة العقل".
https://www.aleqt.com/2017/04/13/article_1169006.html